أوت 3, 2006

درس 9 رجب 1427

Filed under: مجالس العلم — knowledge @ 12:32 م

درس 9 رجب 1427

إخوة الإيمان

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته  

وبعد،

نستكمل اليوم شرح الشيخ بن العثيمين رحمه الله لمتن العقيدة الواسطية لابن تيمية رحمه الله فيما يتعلق بتوحيد أسماء وصفات الله عز وجل. يقول ابن تيمية: “ومن الإيمان بالله – الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

يقول بن العثيمين: فأهل السنة والجماعة يتبرؤون من تمثيل الله عز وجل بخلقه، لا في ذاته ولا في صفاته‏.‏ والتمثيل‏:‏ ذكر مماثل للشيء، وبينه وبين التكييف عموم وخصوص مطلق، لأن كل ممثل مكيف، وليس كل مكيف ممثلا، لأن التكييف ذكر كيفية غير مقرونة بمماثل، مثل أن تقول‏:‏ لي قلم كيفيته كذا وكذا‏.‏ فإن قرنت بمماثل، صار تمثيلاً، مثل أن أقول‏:‏ هذا القلم مثل هذا القلم، لأني ذكرت شيئاً مماثلا لشيء وعرفت هذا القلم بذكر مماثله‏.

وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون‏:‏ إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا، له علم وليس مثل علمنا، له بصر، ليس مثل بصرنا، له وجه ليس مثل وجوهنا، له يد ليست مثل أيدينا، وهكذا جميع الصفات، يقولون‏:‏ إن الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به نفسه أبداً، ولهم على ذلك أدلة سمعية وأدلة عقلية‏. ‏

أ- الأدلة السمعية‏:

تنقسم إلى قسمين‏:‏ خبر، وطلب‏.‏

– فمن الخبر قوله تعالى‏:‏ ‏(ليس كمثله شيء)‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏، فالآية فيها نفي صريح للتمثيل وقوله‏:‏ ‏(‏هل تعلم له سمياً)‏ ‏[‏مريم‏:‏ 65‏]‏، فإن هذا وإن كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر، لأنه استفهام بمعنى النفي وقوله‏:‏ ‏(ولم يكن له كفواً أحد‏)‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 4‏]‏، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها خبرية‏.‏  

– وأما الطلب، فقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا تجعلوا لله أنداداً‏)‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 22‏]‏ أي‏:‏ نظراء مماثلين‏.‏ وقال ‏(‏فلا تضربوا لله الأمثال‏)‏ ‏[‏النحل‏:‏ 74‏]‏‏.‏

وأما الأدلة العقلية على انتفاء التماثل بين الخالق والمخلوق‏:‏ فمن وجوهه‏:‏

أولاً‏:‏ لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بأي حال من الأحوال لو لم يكن بينهما من التباين إلا أصل الوجود، لكان كافياً، وذلك أن وجود الخالق واجب، فهو أزلي أبدي، ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم ويلحقه فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال‏:‏ إنهما متماثلان‏.‏

ثانياً‏:‏ إنا نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق في صفاته وفي أفعاله، في صفاته يسمع عز وجل كل صوت مهما خفي ومهما بعد، لو كان في قعار البحار، لسمعه عز وجل‏.‏

وأنزل الله قوله تعالى‏:‏ ‏(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير‏)‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 1‏]‏، تقول عائشة‏:‏ ‏”‏الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي الحجرة، وإنه ليخفى علي بعض حديثها‏”‏ (البخاري)، والله تعالى سمعها من على عرشه وبينه وبينها ما لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، ولا يمكن أن يقول قائل‏:‏ إن سمع الله مثل سمعنا‏.‏

ثالثاً‏:‏ نقول‏:‏ نحن نعلم أن الله تعالى مباين للخلق بذاته‏:‏ ‏(وسع كرسيه السموات والأرض‏)‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏، ‏(والأرض جميعاً قبضته‏)‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 67‏]‏، ولا يمكن لأحد من الخلق أن يكون هكذا، فإذا كان مبايناً للخلق في ذاته، فالصفات تابعة للذات، فيكون أيضاً مبايناً للخلق في صفاته عز وجل، ولا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق‏.‏

رابعاً‏:‏ نقول‏:‏ إننا نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء وتختلف في المسميات، يختلف الناس في صفاتهم‏:‏ هذا قوي البصر وهذا ضعيف، وهذا قوي السمع وهذا ضعيف، هذا قوي البدن وهذا ضعيف وهذا ذكر وهذا أنثى‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا التباين في المخلوقات التي من جنس واحد، فما بالك بالمخلوقات المختلفة الأجناس‏؟‏ فالتباين بينها أظهر ولهذا، لا يمكن لأحد أن يقول‏:‏ إن لي يداً كيد الجمل، أولي يداً كيد الذرة، أول يداً كيد الهر، فعندنا الآن إنسان وجمل وذرة وهر، كل واحد له يد مختلفة عن الثاني، مع أنها متفقة في الاسم فنقول‏:‏ إذا جاز التفاوت بين المسميات في المخلوقات مع اتفاق الاسم، فجوازه بين الخالق والمخلوق ليس جائزاً فقط، بل هو واجب، فعندنا أربعة وجوه عقلية كلها تدل على أن الخالق لا يمكن أن يماثل المخلوق بأي حال من الأحوال‏.‏

نقول أيضاً‏:‏ هناك دليل فطري، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون أن يلقن يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق ولولا هذه الفطرة، ما ذهب يدعو الخالق‏.‏

 

بارك الله في شيخنا ومعلمنا وفي جمعنا

 

إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان

سائلين المولى عز وجل أن يكون هذا خالصاً لوجهه الكريم

 

اكتب تعليقُا »

لا توجد تعليقات حتى الآن.

RSS feed for comments on this post. TrackBack URI

أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.