أكتوبر 10, 2006

درس 29 شعبان 1427

Filed under: مجالس العلم — knowledge @ 10:43 م

إخوة الإيمان

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته  

وبعد،

نستعرض اليوم شرح الشيخ بن العثيمين رحمه الله لمتن العقيدة الواسطية لابن تيمية رحمه الله في باب ‏توحيد الأسماء والصفات.

يقول بن العثيمين: “هذا (أي توحيد الأسماء والصفات) هو الذي كثر فيه الخوض، فانقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام، وهم‏:‏ ممثل، ومعطل، ومعتدل، والمعطل‏:‏ إما مكذّب أو محرّف ‏.‏

وأول بدعة حدثت في هذه الأمة هي بدعة الخوارج ؛ لأن زعيمهم خرج على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذو الخويصرة من بني تميم، حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم ذهبية جاءت فقسمها بين الناس، فقال له هذا الرجل‏:‏ يا محمد‍ اعدل فكان هذا أول خروج خرج به على الشريعة الإسلامية، ثم عظمت فتنتهم في أواخر خلافة عثمان وفي الفتنة بين علي ومعاوية، فكفّروا المسلمين واستحلوا دماءهم‏.‏

ثم حدثت بدعة القدرية مجوسي هذه الأمة الذين قالوا‏:‏ إن الله سبحانه وتعالى لم يقدر أفعال العباد وليست داخلة تحت مشيئته وليست مخلوقة له، بل كان زعماؤهم وغلاتهم يقولون‏:‏ إنها غير معلومة لله، ولا مكتوبة في اللوح المحفوظ، وأن الله لا يعلم بما يصنع الناس، إلا إذا وقع ذلك ويقولون‏:‏ إن الأمر أنف، أي‏:‏ مستأنف وهؤلاء أدركوا آخر عصر الصحابة، فقد أدركوا زمن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعبادة بن الصامت وجماعة من الصحابة، لكنه في أواخر عصر الصحابة‏.‏

ثم حدثت بدعة الإرجاء وأدركت زمن كثير من التابعين، والمرجئة هم الذين يقولون‏:‏ إنه لا تضر المعصية مع الإيمان تزني وتسرق وتشرب الخمر، وتقتل ما دمت مؤمنا، فأنت مؤمن كامل الإيمان وإن فعلت كل معصية.

لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ إن كلام القدرية والمرجئة حين رده بقايا الصحابة كان في الطاعة والمعصية والمؤمن والفاسق، لم يتكلموا في ربهم وصفاته‏.‏

فجاء قوم من الأذكياء ممن يدّعون أن العقل مقدم على الوحي، فقالوا قولا بين القولين ـ قول المرجئة وقول الخوارج ـ قالوا‏:‏ الذي يفعل الكبيرة ليس بمؤمن كما قاله المرجئة، وليس بكافر كما قاله الخوارج، بل هو في منزلة بين منزلتين، كرجل سافر من مدينة إلى أخرى فصار في أثناء الطريق، فلا هو في مدينته ولا في التي ساف إليها، بل في منزلة بين منزلتين، هذا في أحكام الدنيا، أما في الآخرة، فهو مخلد في النار، فهم يوافقون الخوارج في الآخرة، لكن في الدنيا يخالفونهم‏.‏

ظهرت هذه البدعة وانتشرت، ثم حدثت بدعة الظلمة والجهمة، وهي بدعة جهم بن صفوان وأتباعه، ويسمون الجهمية، حدثت هذه البدعة، وهي لا تتعلق بمسألة الأسماء، والأحكام، مؤمن أم كافر أم فاسق، ولا في منزلة بين منزلتين، بل تتعلق بذات الخالق‏.‏ انظر كيف تدرجت البدع في صدر الإسلام، حتى وصلوا إلى الخالق جل وعلا، وجعلوا الخالق بمنزلة المخلوق، يقولون كما شاؤوا، فيقولون‏:‏ هذا ثابت لله، وهذا غير ثابت، هذا يقبل العقل أن يتصف الله به، وهذا لا يقبل العقل أن يتصف به، فحدثت بدعة الجهمية والمعتزلة، فانقسموا في أسماء الله وصفاته إلى أقسام متعددة‏:‏

قسم قالوا‏:‏ لا يجوز أبداً أن نصف الله لا بوجود ولا بعدم، لأنه إن وصف بالوجود، أشبه الموجودات، وإن وصف بالعدم، أشبه المعدومات، وعليه يجب نفي الوجود والعدم عنه، وما ذهبوا إليه، فهو تشبيه للخالق بالممتنعات والمستحيلات، لأن تقابل العدم والوجود تقابل نقيضين، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وكل عقول بني آدم تنكر هذا الشيء ولا تقبله، فانظر كيف فروا من شيء فوقعوا في اشر منه‏.‏

وقسم آخر قالوا‏:‏ نصفه بالنفي ولا نصفه بالإثبات، يعني‏:‏ أنهم يجوزون أن تسلب عن الله سبحانه وتعالى الصفات لكن لا تثبت، يعني‏:‏ لا نقول‏:‏ هو حي، وإنما نقول ليس بمبيت ولا نقول عليم، بل نقول‏:‏ ليس بجاهل‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا‏.‏ قالوا‏:‏ لو أثبت له شيئاً شبهته بالموجودات، لأنه على زعمهم كل الأشياء الموجودة متشابهة، فأنت لا تثبت له شيئاً، وأما النفي، فهو عدم، مع أن الموجود في الكتاب والسنة في صفات الله من الإثبات أكثر من النفي بكثير‏.‏

قيل لهم‏:‏ إن الله قال عن نفسه‏:‏ ‏(‏سميع بصير‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ هذا من باب الإضافات، بمعنى‏:‏ نسب إليه السمع لا لأنه متصف به، ولكن لأن له مخلوقا يسمع، فهو من باب الإضافات، فـ‏(‏سميع‏)‏، يعني‏:‏ ليس له سمع، لكن له مسموع‏.‏

وجاءت طائفة ثانية، قالوا‏:‏ هذه الأوصاف لمخلوقاته، وليست له، أما هو، فلا يثبت له صفة‏.‏

وقسم قالوا‏:‏ يثبت له الأسماء دون الصفات، وهؤلاء هم المعتزلة أثبتوا أسماء الله، قالوا‏:‏ إن الله سميع بصير قدير عليم حكيم‏.‏‏.‏‏.‏ لكن قدير بل قدرة، سميع بلا سمع بصير بلا بصر، عليم بلا علم، حكيم بلا حكمة‏.‏

وقسم رابع قالوا‏:‏ نثبت له الأسماء حقيقة، ونثبت له صفات معينة دل عليها لعقل وننكر الباقي، نثبت له سبع صفات فقط والباقي ننكره تحريفاً لا تكذيباً، لأنهم لو أنكروه تكذيباً، كفروا، لكن ينكرونه تحريفاً وهو ما يدعون أنه ‏”‏تأويل‏”‏‏.‏

الصفات السبع هي مجموعة في قوله‏:‏

له الحياة والكلام والبصر ** سمع إرادة وعلم واقتدر

فهذه الصفات نثبتها لأن العقل دل عليها وبقية الصفات ما دل عليها العقل، فنثبت ما دل عليه العقل، وننكر ما لم يدل عليه العقل وهؤلاء هم الأشاعرة، آمنوا بالبعض، وأنكروا البعض‏.‏

فهذه أقسام التعطيل في الأسماء والصفات وكلها متفرعة من بدعة الجهم، ‏(‏ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة‏)

فالحاصل أنكم أيها الإخوة لو طالعتم في كتب القوم التي تعتني بجمع أقاويل الناس في هذا الأمر، لرأيتم العجب العجاب، الذي تقولون‏:‏ كيف يتفوه عاقل ـ فضلاً عن مؤمن ـ بمثل هذا الكلام‏؟‏‏!‏ ولكن من لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور‏!‏ الذي أعمى الله بصيرته كالذي أعمى الله بصره، فكما أن أعمى البصر لو وقف أمام الشمس التي تكسر نور البصر لم يرها، فكذلك من أعمى الله بصيرته لو وقف أمام أنوار الحق ما رآها والعياذ بالله‏.‏

ولهذا ينبغي لنا دائماً أن نسأل الله تعالى الثبات على الأمر، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا لأن الأمر خطير، والشيطان يدخل على ابن آدم من كل صوب ومن كل وجه ويشككه في عقيدته وفي دينه وفي كتاب الله وسنة رسوله فهذه في الحقيقة البدع التي انتشرت في الأمة الإسلامية‏.

 

 بارك الله في شيخنا ومعلمنا وفي جمعنا

 

إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان

سائلين المولى عز وجل أن يكون هذا خالصاً لوجهه الكريم

المدونة على ووردبريس.كوم.