فيفري 23, 2006

مجلس 21 محرم 1427 هـ

Filed under: مجالس العلم — knowledge @ 8:45 ص

إخوة الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد،

العقيدة

نكمل اليوم ما وقفنا عليه الدرس الماضي فيما يتعلق بصفات الله عز وجل كما جاء في الكتاب والسنة. يقول ابن تيمية رحمه الله: “ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سميّ له، ولا كُفُوَ له، ولا نِدَّ له ، ولا يقاس بخلقه، سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه.” (كتاب العقيدة الواسطية).

يتناول الشيخ حازم قضية التحريف وحكمها الشرعي والفرق بينها وبين التأويل. فالتحريف اسم جاء القرآن بذمه وهو في اللغة: “تَحْرِيفُ الكَلِم عن مواضِعِه: تغييره. والتحريف في القرآن والكلمة: تغيير الحرفِ عن معناه والكلمة عن معناها…كما كانت اليهود تُغَيِّرُ مَعانَي التوراة، فوصَفَهم اللّه بفعلهم فقال تعالى: يُحَرِّفُون الكَلِمَ عن مواضعه.” (لسان العرب). مثال آخر: عندما قيل لليهود “ادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّة” حرّفوا كلمة “حِطّة” (حِطَّةٌ أَي تُحَطُّ عنه خطاياه وذنوبُه – لسان العرب) وقالوا “حنطة” حمراء فـيها شعيرة، فأنزل الله: “فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَـمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِـيـلَ لَهُمْ.” (البقرة 58 – تفسير الطبري).

والتحريف يكون في اللفظ والمعنى، والقرآن لم يُحرّف لفظياً بل جاء التحريف في المعنى بغير ما أراد الله عز وجل: “هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ” (آل عمران : 7.)

فالإيمان بصفات الله يستلزم التسليم بها كما وردت في الكتاب والسنة من غير تحريف لا في اللفظ ولا في المعنى.

أما التأويل (أَوَّلَ الكلامَ وتَأَوَّله: دَبَّره وقدَّره، وأَوَّله وتَأَوَّله: فَسَّره – لسان العرب) فهو نوعان: تأويل محمود وآخر مذموم. والمحمود في التأويل ما بُني على اجتهادٍ في تفسير الآيات مع وجود دليل يدعم ذلك التفسير إما في القرآن أو في صحاح السنة أو نقلاً عن الصحابة أو في سياق اللغة العربية بإجماع أهل العلم. يقول الطبري: “القول فـي تأويـل قوله تعالـى” أي في تفسيره.

والتأويل (التفسير) له أصول وقواعد، كما يوضح الشيخ حازم، فأصول التفسير أربعة:

تفسير القرآن بالقرآن: أي تفسير الآيات عبر الاستدلال بأخرى شارحة لها. مثال: “الذين أنعمت عليهم” وهم الأنبياء وَالصِّدِّيقِينَ والشهداء والصالحين كما ورد في الآية 69 من سورة النساء: “وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً”.

تفسير القرآن بالسنة الصحيحة. وكان عليه الصلاة والسلام يفسر القرآن بالعمل به، فلما فُرضت الصلاة على سبيل المثال قال عليه الصلاة والسلام: “صلوا كما رأيتموني أصلي”.

تفسير القرآن بفهم السلف الصالح ومنهم ابن عباس وابن مسعود وعمر وأبو بكر رضي الله عنهم. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقفون عند بعض الآيات عاجزين عن تفسيرها ولم يتكلفوا في تأويل ما لم يعلموا: “عن إبراهيم النخعي قال قرأ أبو بكر الصديق وفاكهة وأبا فقيل ما الأب فقيل كذا وكذا وقال أبو بكر إن هذا له التكلف أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم .” (فتح الباري).

تفسير القرآن بالفهم والاستيعاب اللغوي بإجماع العرب. قال ابن عباس رضي الله عنه: التفسير أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهله وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله. وأبن عباس هو حبر الأمة وتُرجمان القرآن، وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “اللهم فقّهه في الدين وعلمه التأويل.”

ويذكر الشيخ حازم بعض من كتب التفاسير المبنية على هذه الأصول ومنها تفسير الطبري المعروف بــ “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” وهو من أجلّ التفاسير بالمأثور وأعظمها قدراً على ما ذُكر فيه وما رُوي في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين وتابعيهم وقد جمع الطبري في تفسيره بين الرواية والدراية. كذلك تفسير ابن كثير، والشوكاني.

وينبّه الشيخ حازم من الأخذ بالجوانب العقدية لبعض المفسرين مع الأخذ بفقههم واجتهاداتهم الفذّة، جازاهم الله خيراً ونفع بعلمهم المسلمين.

أما مذموم التأويل فهو تفسير القرآن باجتهاد مبني على رأي لا دلالة له أو سند في الكتاب أو السنة أو عن الصحابة أو في اللغة، أي تأويلٌ لا أساس له.

فقه الدعاء-
على المرء الدعاء لنفسه أن يكون جُلّ عمله خالصاً لوجه الله عز وجل.
الدعاء يجوز على الكافر بعد إقامة الحجة عليه: حادثة صاحبي الجنتين في سورة الكهف: “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً” [الكهف: 37]. ومن فوائد هذه الآية أن قضية التوحيد (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ) هي الرسالة التي جاء بها الأنبياء والرسل كافة على مر العصور كان ذلك في قصص الأنبياء أو الصالحين أو الأمم السابقة التي ورد ذكرها في الكتاب والسنة.

ومضات قرآنية-
“وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً” [الكهف:19]. جاء في موضع كلمة “وَلْيَتَلَطَّفْ” أنها تقع في وسط القرآن (سبحان الله)، وجاء في موضع “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً” [البقرة : 143] أنها تقع في وسط سورة البقرة (سبحان الله).

واتقوا عباد الله الوقوع في فتنة العمل الدنيوي الخالي من طاعة الله وعبادته (مثال: رجلٌ يعمل صالحاً ولا يصلي): “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105)”

بارك الله في شيخنا ومعلمنا وفي جمعنا

إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان

سائلين المولى عز وجل أن يكون هذا خالصاً لوجهه الكريم

اكتب تعليقُا »

لا توجد تعليقات حتى الآن.

RSS feed for comments on this post. TrackBack URI

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم.